![]() ![]() |
القسم العـربي القسم الأ لماني القسم الإنكليزي دليل الموقع جاليري نادي الفن أوريينت أونلاين جوكبوكس ليتبوكس مواعيد شوب أدبي | ![]() ![]() |
calamus deutsch calamus english |
|
كان
هارون يجري
حافي القدمين فوق
الحجر
البارد
مند
فعاً بخطى حثيثة
قاصداً
المكتبة . سرعته
كانت عالية بالنسبة
للمنعطف الحاد
عند الباب . لذا
سارعت يده بالإمساك
بإطار الباب لكي
يتمالك نفسه بالاتجاه
الصحيح . فإذا به
ينطلق إلى داخل
المكتبة كالنُّشّاب
مسدداً مباشرة
صوب عمّه . العم
الذي كان جالساً
هناك على سَجّادته
الطَرية ، سانداً
ظهره إلى الجدار
الخلفي ومتكئاً
على جانبه الأيسر
على وِسادته فوجئ
بالحدث ، فرفع
مذهولاً نظره عن
كتابه الذي كان
بيده . حيث أنه
لم يبصُر في أيدي
هارون رغيف الخبز
ولا الجبن البلدي
ولا الزيتون الأخضر
التي طلب منه إحضارها
.
هنالك
شخص ما يقطَع
الباذنجان .
دخل الرجلان إلى
المطبخ
وشاهدا أن
نادية قد
سخنّت زيت
الزيتون في
المقلاة . "
أنت تطبخين لي
؟ " ضحك القلمس
مستغرباً . " أسعد
الله صباحك يا
حسين . طبعا
أنا أطبخ لك .
لم أجدك عند
وصولي ، وحالة
المطبخ تدل
على أنك لم
تفطر بعد . أم
هل أنك اشتريت
شيئا للأكل في
طريقك ؟ " ومع
أزيِز حاد في
المقلاة
انزلقت شرائح
الباذنجان
الرقيقة في
الزيت المغلي
، ووزعّت
نادية الزيت بمكشطة
كي تستوي جميع
الشرائح
جيداً في آن
واحد . " هذا
عمل لطيف منك !
" لا قطعاً ،
بل أحضرت
الخبز فقط .
لقد تأخّرنا
بالفعل ، حيث
أشغلنا خبر
المؤذن
المختفي . "
عندها هزّت نادية
رأسها
بالإيجاب : "
الحي كله
يتحدث عن ذلك . "
وأخذت تفرم
فصُوُص الثوم
فرماً ناعماً
في حين ما
كانت
تبلغّهما
التحيات من
بلال ، الذي كان
عليه التزامات
أخرى.
كانت
الشمس تصب
أشعتها
الحارقة فوق
العاصمة بدون
هوادة بينما
الناس يجولون
فيها مثل النمل
. وكانت واحدة
من كبرى مدن
العالم ، رغم
أن وباء
الطاعون قد
اندلع في
القاهرة أكثر
من مرّة وخفّض
عدد السكان
بشكل ملموس .
فقد استفادت
دولة
المماليك
كثيرا من تركة
المتوفين ،
واستثمرت
مبالغاً
هائلة في بناء
مبانٍ فاخرة
جديدة . هكذا
فرغ عدد كبير
من المنازل ، أو
اندثر تماما
وحل محله
ثغرات ، بينما
نشأت في نفس
الوقت مبان
فخمة حديثة
مثل خان الخليلي
، وهو سوق في
المدينة
القديمة ،
قريب من بيت
القلمس . منذ
قرون
والمدينة في
نمو مستمر ،
فاتسعت
مساحتها
وأنشئت فيها
شوارع وأحياء جديدة
، بعيدا عن
قلب المدينة ،
التي لقبّتها أسرة
الفاطميين
قبل ما يبلغ
أربع مائة سنة
من الآن بالقاهرة
.
لم
يكن له إلا
دليل واقعي
واحد وهو دار
الأخ الواقع
مباشرة بجانب
المئذنة في
الزقاق المنزوي
. نادية كانت
قد تحدثت عنه .
وأثناء
تحقيقاته قبل
وبعد صلاة
الظهر سمع اسم
أخ المؤذن كذلك
. لذا ذهب هناك
وقرع الباب . غلام
في الرابعة
عشر من العمر
تقريباً فتح
الباب وأخبر
القلمس أن
الشخص الذي
يبحث عنه قد
سافر في ساعة
الظهر إلى
الإسكندرية
ليزور والدته
. كان الغلام
يهم بإغلاق
الباب فسمع
عندها : " أعتقد
أنت تعرف من
أنا . أنا أبو يوسف
ولي مكتبة
ليست بعيدة من
هنا . " تلكأ الولد
ولم يرد الباب
. " أبو الطيب
عمك ، أهذا
صحيح ؟ " هز
رأسه متأكداً
. فسأله
القلمس : " هل
من الممكن أن
تقودني إلى
أمك ؟ أريد أن
أكتشف ماذا
حصل لعمك وأكيداً
أنت أيضاً تريد
أن تعرف . " الغلام،
الذي اسمه علي
كما عرّف على
نفسه ، أومأ
للضيف
بالدخول . مرا
عبر حديقة
منزلية غير
مكشوفة من
الشارع ووصلا
إلى البيت
المكوّن من
عدة طوابق . في
الدهليز
الداخلي يجلس
القرفصاء
شبحان بلباس
رمادي . بعد
صعود الدرج مرّ
عن المكان
الذي يخلع
المرء حذاءه
في الطابق الأول
. طلب علي من
الضيف
الانتظار هنا
قبل أن يغيب عنه
عبر باب في
غرفة جانبية .
المكان كان
بسيطاً ولكن
يظهر عليه
بأنه جزء من
بيت مالك ثري .
مشى القلمس
فوق سجادة نحو
الشباك وراقب
الستار
الخشبي بلونه الأحمر
بني غامق ،
حيث هو مصنع
بمهارة فائقة
وبصورة فنية
خلابة .
عِبْرَ قضبان
الشباك رأى
الزقاق ومكان
الحدث ، أي
المنارة .
ـ "
والدته ؟ "
أجاب
مستغرباً . "
نعم . منذ زمن
بعيد وقبل أن
رحلت إلى
الإسكندرية ،
فهي تقضي ما
تبقى لها من
العمر هناك
بين أصدقاء
لها . فلقد
كانت قد
استيقظت ذات
ليلة من نومها
وأيقظت جميع
النائمين
حولها لتسرد
عليهم ما
حلمته . حدّثتهم
أنها رأت في
المنام ابنها
أبا الطيب وقد
أُشّعَ عليه
نور ساطع ثم
عُرِجَ به إلى
السماء . لقد
مرت على هذا
الحدث عشرون سنة
. كان ذلك في
عهد السلطان
منصور صلاح
الدين وحصل في
هذا البيت بالذات
. وأيضاً حارس
الحديقة
يتذكره . الأم
رأت الصورة
أمامها واضحة
تماماً
فارتعب جميع
المستمعين
ولم يجرؤ
أحداً على
الاعتراض على
كلامها . ومنذ هذا
الوقت وهي ما
زالت من حين
لآخر تتذكر ذلك
الحلم . فقاطعها
الحديث : "
الشيء الذي
يصعب علي فهمه
هو موعد سفر
زوجك ، فأنا
لو كنت مكانه
واختفى أخي
هكذا ، لحاولت
أولاً تقصّي
حقيقة ما حدث
، ولم أكن
لأقم برحلة
بعيدة مباشرة
بعد ساعات
قليلة من
إشاعة النبأ .
" عندها أدارت
كريمة وجهها
المقنع نحوه ولم
تبد أي حراك . ابتعد
عنها طفلاها
وبدءا
يداعبان
بعضهما البعض
. " هو يعتبر
أنه من المهم
أن يكون على
مقربة من
والدته وأن
يوصل لها
الخبر . ولكن
الآن بعدما
أوضحتَ لي
الموضوع هكذا
، أصبحتُ أنا
كذلك أستغرب
الأمر . " فطلبت
من الأطفال
إحضار الشاي ،
ثم أخذت مكانها
على الجهة
المقابلة من
الطاولة
المنخفضة
وجلست على
مقعد منجد .
بلال
كان واقفاً
أمام الرف
ويمر بيده فوق
الكتب . فسأل
هارون الذي
كان منهمكاً
بالكتابة : "
ماذا يقرأ هو
الآن ؟ " فاكتشف
كتاباً بجانب
المكان الذي
اعتاد القلمس
أن يجلس فيه
وقرأ عنوانه . رفع
هارون بنظره
إلى الأعلى
قائلاً : " ما
هو ؟ " فأجابه
بلال مبتسماً :
" الفرج بعد
الشّدة
للتنوخي . أنا
أعرفه . "
" حيّ
على الصلاة ! حيّ
على الصلاة ! "
تعالى صوت
المؤذن فوق
سطوح بيوت
المدينة القديمة
وعبر الشوارع .
انمزج بأصوات
المؤذنين الآخرين
لتتآزر مع
بعضها البعض
فتكون في آن
واحد جوقة
خشوع ونداء
لليقظة وضابط
للوقت . خمس
مرات في اليوم
تتوقف أعمال
التجارة في
القاهرة لبضعة
دقائق . إنه لا
يوجد مكان آخر
في العالم
تتكاثف فيه
المساجد والمآذن
بهذا العدد
الضخم . كان الوقت
بعد الظهر ، تلك
الفترة في
النهار التي يكون
فيها كثير من
الناس في
قيلولة ، يخيّم
فيها الهدوء
لمدة ساعة أو
ساعتين قبل أن
تبدأ برودة
المساء
بتشجيع البشر
على الانطلاق
. في مسجد
إبراهيم وفي
ضواحيه يشعر
المرء بالارتباك
الذي ساد هذا
اليوم . تضاعف
عدد المصلين الذين
تهافتوا من كل
صوب على هذا
البناء المغطى
بالقبة
المستديرة . وتجمهر
البعض أمام
المئذنة
باستغراب وكما
لو أنهم أمام
أهرام الجيزة
أو أمام هرم
أبو الهول مذهولين
. كان صوت الأذان
قد تبدد عندما
عاد المؤذن
ودخل قاعة
الصلاة . هذه
كانت المرة
الثانية التي
رفع بها هذا
المؤذن صوت الأذان
نيابة عن أبي
الطيب . " إذن ،
ماذا تقول ؟ "
همس القلمس في
أذن ابن أخيه . "
أجل ، هذا هو
الرجل الذي لاحظ
اختفاء أبي
الطيب كأول
الناس . من أين
عرفت هذا ؟ "
وبدلاً من أن
يجيب السؤال
جرّ هارون
إليه وتابع
سيره باتجاه
المؤذن وقطع
عليه الطريق .
فبدون أن
يحييه همس له
شيئاً لم
يتمكن هارون من
سماعه . ذُعِر
الرجل لأول
وهلة ثم هز
برأسه للأسفل
مؤيداً ، قبل
أن يتابع سيره
ببطء . حدّق
الوراق عينيه
بعيني هارون : " سأذهب
أنا إلى الصلاة
. هل تأتي معي ؟
" ابن الأخ لن
يتقاعس مهما
كلّف الأمر
فهو يريد معرفة
ما يدور هنا . فوافق
على مرافقة
عمه وتراجع عن
إلقاء الأسئلة
، التي كانت يتف
على طرف لسانه
. على كل حال فهو
متابع الحدث
وأصبح على وشك
معرفة كل ما
يريد . توجه
القلمس إلى
مكان الوضوء
المستدير
الذي ينطلق
منه الماء من
صنابير عدة . خلع في
طريقه صندله
ووضعه بجانب
أحذية الآخرين
فتوضأ . أما
هارون فقد قام
بنفس الشيء . ثم
تواجد في صفوف
مئات المصلين
فوق سجادة
كبيرة .
الجميع يؤدون
نفس الواجبات
: يهمسون بعض
الآيات
القرآنية ويركعون
ويسجدون
ويصلون .
عندما
أعلن الألف مؤذن
حلول المساء
لم يكن أبو
الطيب بينهم .
" هل زرتِ مدينة
عكا في حياتك
؟ " سأل القلمس
مرحاً نادية ،
التي كانت
جالسة على
مقعد في
المكتبة
وتحتسي الكركديه
الأحمر
الساخن معه
ومع هارون وبلال
. " عكا ؟ لا ،
لماذا ؟ هل
أنت عازم على
السفر إليها ؟
" نظرت إليه
مبتسمة
وحاولت بدون
جدوى تحليل تعابير
وجهه . " نعم معكِ " أجاب
هو . " يقال
إنّ الخدمة
هناك متميزة .
" وضع هارون
الكتاب في يد
عمه وتوسل له .
" اقرأ لنا قصة
من فضلك " وأثني
على طلبه الآخرون
. فقرأ
العم لهم قصة
أولى ثم ثانية
وختاماً قصة ثالثة
من التنوخي عن
الفرج بعد الشدة
. في الأثناء
غادر بلال
المكتبة
قصيراً وأنار
القنديل أمام الباب
. |
![]() ![]() | ![]() ![]() |
Datenschutzerklärung und Impressum (data privacy statement and imprint) |